Monday 16 February 2015

بعد النهاية

بعد النهاية


بعد يوم عمل مرهق .. وفي طريق عودته إلى منزله .. تلقى "ماجد" .. مكالمة من رقم مجهول يخبره فيها أنه فريد زميله السابق بالكلية ويريده في أمرٍ هام.
 تخرج ماجد و فريد من إحدى كليات علوم الحاسب في مصر ولم تتعد صداقتهم  حدود الزمالة بل بالعكس كانا دائما على خلاف .
عمل ماجد بعد تخرجه بإحدى شركات البرمجة المحلية وتزوج وأنجب وعاش حياة طبيعية مصرية مائة بالمائة, بينما تخرج  فريد والتحق بإحدى البعثات الخارجية نظرا لتفوقه منقطع النظير .
ولأن العلاقة بينهما كانت سيئة جدا, كان من الطبيعي أن تثير مكالمة فريد الكثير من الشكوك في نفس ماجد بالإضافة إلى فضوله مما أدى به إلى الموافقة في الحال والاتفاق على ميعاد قريب للقاء في منزل  فريد .
لم يلبث ماجد أن طرق باب منزل فريد حتى وجده يفتح له على عجل ويرحب به في شئ من التوجس. بعد التحية السريعة وبحكم شخصيته العملية تطرق فريد مباشرة إلى الأمر الهام.
أحضر فريد حاسوبه النقال وقام بتشغيله, انطلقت أصابعه تلتهم أزار الحاسوب في سرعة بدون أن ينطق بحرف أمام ماجد الذي أخد يشاهده بدهشة وكأنه يراقب خبير مفرقعات يقوم بحل عبوة ناسفة "كانت منتشرة تلك الأيام".
ما إن انتهى فريد حتى وجه حديثه لماجد قائلا:
-         ماجد ,عارف إنك مستغربني دلوقتي وغالبا بتقول عليَّ مجنون .. أنا وإنت عمرنا ما كنا صحاب وأنا عارف إنك كنت في الكلية بتقول عليَّ الشاب ال"geek"  وكنت بتتريق عليَّ إنت وصحابك التافهين.
أصاب ماجد شيء من الخجل .. لتذكره تلك الأيام ولظنه عدم علم فريد بهذا,ورد في ارتباك:
-          إيه يا فريد الكلام ده ... لا طبعا محصلش ده أنا كنت بحـبـ..
قاطعه فريد:
-          ده مش موضوعنا خالص .. أنا جايبك في حاجة أهم 100 مرة.
هنا بدا الأهتمام على وجه ماجد وبدأ في الاستماع بعمق لفريد الذي أكمل :
-         طبعا إنت عارف إني سافرت أمريكا بعد ماخلصت الكلية على طول وأنا دلوقتي بقالي 5 سنين هناك.
أنا والفريق اللي بشتغل معاه كنا شغالين على حاجة كده من غير ما أدخلك في تفاصيل عارف إنك مش هتفهمها.
نظر ماجد بشيء من العصبية لفريد والذي كان معروف أيام الدراسة بافتقاره لأبسط أنواع أدب الحديث وقال :
-         شكرا يا فريد على ذوقك .. كمل
أكمل فريد متجاهلا كلامه:
-         أنا  والفريق بتاعي كنا شغالين على مشروع له علاقة برسائل بنبعتها ونستقبلها من المستقبل ووصلنا لنتائج كويسة قوي .
وقدرنا نستقبل رسائل ناس كانت بتسجلها في المستقبل على أمل إن هيجي ناس تانية تقدر تشوف الرسائل دي .
معظم الرسائل بالنسبة لنا مكانتش مهمة لحد ماوصلتنا  رسالة صوت وصورة لشخص أنا أعرفه كويس بيقول فيها كلام غريب .
استمع ماجد لكلام فريد بكل اهتمام إلا أنه لم يستطع أن يجد الرابط بين هذا الكلام والمكالمة إلى أن نطق فريد بالصاعقة :
-         الشخص اللي كان باعت الرسالة دي يا ماجد  .. هو إنت .
أخذ ماجد بعض الوقت لإستيعابالصدمة  ... "أنا ؟؟ رسالة ؟؟ مستقبل؟ " .. وكان رده السريع هو:
-         تصدق إنت فعلا أهبل .. يعني إنت مسيبني حالي وشغلي وعيالي... علشان تقعد تقولي أي كلام فارغ!
-         مش بقولك تافه .. وده اللي مجنني .. إزاي واحد تافه زيك يقدر يبعت رسالة من المستقبل ... أنا نفسي مش مصدق بس هي دي الحقيقة .
قبل أن تنشب معركة بينهم ويقوم  ماجد بالرد اللاذع .. أكمل فريد كلامه مقاطعا ماجد :
-         بص أنا مش جاي من آخر الدنيا علشان أتخانق معاك ونفضل نهزق في بعض .. أنا لا بطيقك  ولا إنت بتطيقني .. اتنيل اخرس بقى وسيبني أكمل كلامي.
 أخذ نفس عميق وأكمل :
-         أنا كنت عارف إنك مش هتصدقني .. وبرغم إن اللي أنا عملته ده ممكن يوديني  في داهية بس إنت كنت لازم تشوف الكلام ده .. أنا جبت الفيديو اللي إنت طالع فيه .
 حتى هذه اللحظة لم يكن ماجد مصدقا لحرف من كلام فريد .. وكان منتظرا ليرى الفيديو ليثبت له أن هذا الفيديو صنعه أحد المراهقين  وألقاه على  الانترنت ليخدع به أكبر قدر من السذج .. وأما عن الجزء الخاص به .. كان متوقع أن يرى شخصا يشبهه ..لكن عقل فريد المجنون هيأ له أنه هو.
أدار فريد حاسوبه في اتجاه ماجد وجلس بجانبه ثم بدأ عرض الفيديو :
صورة الفيديو تبدو أنها مصورة من كاميرة حاسوب  .. لتصور مكان مظلم كأنه مخزن أو مكان تحت الأرض .. تهتز الكاميرا قليلا .. ثم جاءت أول صدمة ..
أول من ظهر على الشاشة كان فريد وقد زاد عن عمره ما يقارب العشرين عاما, ملأ وجهه التجاعيد وملأ شعره الشيب وارتدى زي عسكري مع صديري واق .. وتلفحت رقبته بشال فلسطيني وإن لم يتخل عن نظارته الطبية
 .. كان ينظر إلى الشاشة حتى تأكد من أن التسجيل بدأ ثم وجه حديثه لشخص خلف الشاشة ليقول  له بقلق وتعجل بالغ :
-          يلا تعالى شوف إنت عايز تقول إيه .
 ثم انتزع سلاح من جانب الشاشة و جلس على مقعد مجاور وهو مستند على سلاحه و في نظرته الكثير من الألم .
بعدها أتت الصاعقة الثانية  والتي جعلت ماجد ينتفض من جلسته كأنه قد رأى شبح .
إنه  ماجد فعلا وإن لم يتغير حاله كثيرا عن فريد .. نفس التقدم في العمر  ونفس الشيب .. ولكن امتلأ جسده قليلا . وقد توشح بالشال و هو في  كامل العتاد العسكري . وتظهر عليه آثار معارك من أتربة وجروح امتلأ بها وجهه وتنطلق من عينيه أيضا نظرات تدل عن الانهيار والهزيمة. ثم بدأ حديثه :
-         أنا ماجد علي ... مش مهم احنا سنة كام دلوقتي بس احنا بعد سنة 2020
الفيديو ده أنا بصوره وبتمنى إن حد يقدر يشوفه في الوقت المناسب علشان في حاجات لازم تتعرف قبل مايفوت الأوان .. لإنه حاليا فات خلاص.

البداية كانت مع انطلاق ثورة 25 يناير .. ساعتها كنا مصدقين إن احنا خلاص حالنا هينصلح ومصر هتبقى دولة محترمة فعلا ونعيش حياة آدمية.. لكن اللي حصل غير كده خالص.
بعد ما أسقطنا النظام "أو زي ماافتكرنا إن احنا اسقطناه"   وبعد ماجه علينا نظام ورا التاني .. من نظام الإخوان لنظام انتقالي لنظام عسكري . وكان كل يوم في شهيد جديد بيموت  بمناسبة ومن غير مناسبة .. اللي يموت علشان مظاهرة واللي يموت وهو مجند في سينا واللي يموت من عبوة ناسفة واللي يموت علشان متغرب واللي يموت وهو بيحاول يهاجر هجرة غير شرعية ده حتى الشباب كان بيروح الإستاد علشان يشجع كورة كانوا بيموتوا، وطبعا مكنش في أي حق بيرجع.
وده كان سبب في حالة من الغليان بتحصل في المجتمع المصري  في هدوء وبدون أي تدبير, الشباب كان بيموت واللي بيعيش منهم كان كل يوم استعداده للموت بيزيد .
في نفس الوقت كان " مايسمى ب داعش" بدأوا يفرضوا سيطرتهم على قطاع كبير من أرض العراق والشام .. وكان ساعتها ما يسمى " بالتحالف الدولي " هو الشيء المقاوم الوحيد ليهم واللي بعد كده عرفنا إنها كانت مسرحية وإن التحالف ده  سايبهم ينتشروا وهو بيعمل غارات جوية بس .. بتوهم الإعلام الدولي إنهم بيقوموا بدور عظيم .. لكن  في الحقيقة كانت خدعة ..
أخذت الدولة الوليدة  تنتشر بشكل بسيط لكنه كان انتشار وتوسع ..
جزء كبير من العراق وجزء كبير من الشام  مش بس سوريا.
وعلشان المصايب مبتجيش واحدة واحدة .. في الوقت ده مصر كانت بتعاني من الإرهاب وبتحارب معاهم حرب بانت كأنها أبدية .. وبرضو الإعلام كان مصورنا إننا هننتصر .. لكننا فوقنا على إن مفيش حاجة بتحصل غير كل شوية تفريغ جزء من أرض سيناء وتوسيع الشريط الحدودي .. وكانت الحقيقة إن داعش برضو كان عندها ولاية قوية في سيناء .. وإن مصر فعليا فقدت السيطرة على قطاع كبير من  هذه المنطقة.
على جبهة تانية الجيش كان منهك من الحرب في سيناء وحرب اليمن اللي اشتركت فيها مصر تحت مسمى -حماية وحدة العرب وسلامة أراضيهم- "وكأن اليمن بس هي اللي عرب  وسوريا والعراق وفلسطين كانوا سويسرا" كمان حرب على الحدود مع ليبيا بعد سيطرة الإسلاميين عليها .
مع مرور السنين كل ده مكنش ظاهر للمصريين قوي بسبب طبعا الإعلام بتاعنا العظيم  وكمان لأن كان في حرب تانية أقوى من كل الحروب كان بيخوضها الشعب المصري ..لوحده
"أكملت إثيوبيا بناء السد" ومع الزيادة السكانية أصبح الحصول على مياه الشرب أمر صعب .. ومكنش في غير الأغنياء اللي قادرين يحصلوا على المياه المعدنية بفلوسهم اللي زادت وزودت معاهم فقر الفقراء ... ودي كانت المعركة الأعنف لأنها كانت بين المصريين وبعضهم.
ثم جاءت لحظة الحقيقة .. وجاءت ساعة الصفر اللي كنا معميين عنها
أفاق العالم على ضرب داعش حدود اسرائيل من سيناء و لبنان وسط تهليل وتكبير من المغفلين.
الصدمة الحقيقية كانت في شدة ضعف دولة داعش .. لأنهم ما إن قاموا بذلك حتى أعلن الجيش الاسرائيلي بوجوب الرد حماية لأراضيه .. ثم أخذ العالم يشاهد كيف بدأت اسرائيل بمساعدة أمريكا وأوروبا بمحو داعش و ما تبعهم من بلاد العرب ..
اتضح فيما بعد أن اسرائيل كانت تتحكم في تسليح داعش في الخفاء .. وظلت تساعدهم ليكبروا ويسيطروا على أكبر قدر ممكن من الأراضي العربية .. حتى أصبحوا كالخروف السمين وجاء ميعاد ذبحه ..
وبدأت اسرائيل في تنفيذ مخطط من النيل للفرات.. والذي كان يدار بمهارة منذ ثورة يناير
وظننا نحن العرب المسلمون أنها جاءت المعركة الأخيرة بيننا وبين اليهود وانتابتنا جميعا النشوة .. ولكننا أخذنا نشاهد اسرائيل وهي تسحق داعش وتسيطر على أرض العرب والمسلمين ثم بدأت المعركة في اتجاه سيناء .. واستعد الجيش المصري ... ولكن أي استعداد فقد أنهكت قواه تماما على مدار السنين .. وتخلى عنا كل الحلفاء من الخليج لروسيا وأمريكا وأوروبا ... وانهزم الجيش في سيناء ... وتقدم اليهود إلى القاهرة ..
ونحن الآن نكون مجموعة من المقاتلين لنحمي ما تبقى من أسرنا وأرضنا ..

وبمساعدة بعض العلماء أمثال صديقي فريد ومع تقدم العلم .. وجدنا طريقة لإرسال رسالة إلى الماضي ..

هذه الرسالة ليست للتحذير ولا لأخذ الحيطة .
وهنا توقف ماجد المستقبلي عن الكلام  وأخذ سلاحه على كتفه ونظر نظرة ذات معنى لزميله ثم اقترب من الشاشة أكثر وقال في حزم :
بعد كل اللي وصلنا له واللي مرنا بيه .. ملقناش عندنا أي حلول ولا مفر من النتيجة الحتمية اللي وصلنا ليها.. وعلشان كده مقدمناش حل تاني ..

إهربوا..

ثم  انقطع الإرسال ...


  بسم الله الرحمن الرحيم  "وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا"  سورة الاسراء

تمت بتاريخ 13/2/2015

شكرا لصديقي "عبداللة عاطف" على المراجعة 

 تنويه : اعلم افتقار المقال للاسلوب والحبكة اللغوية والدرامية .. ولكني لم انشره لإثبات موهبة او لتلقي إشادة بل لنشر وجهة نظري فيما يحدث .